باب
قال محمد بن الحسين : إن الله بمنه ، وفضله أخبرنا في كتابه عمن تقدم من أهل الكتابين اليهود والنصارى : أنهم إنما هلكوا بما اقترفوا في دينهم ، وأعلمنا مولانا الكريم : أن الذي حملهم على الفرقة عن الجماعة ، والميل إلى الباطل ، الذي نهوا عنه : إنما هو البغي والحسد ، بعد أن علموا ما لم يعلمه غيرهم ، فحملهم شدة البغي والحسد إلى أن صاروا فرقاً فهلكوا ، فحذرنا مولانا الكريم في كتابه عن ذلك قال تعالى : كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه إلى قوله : إلى صراط مستقيم ، وقال عز وجل : تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد ، وقال عز وجل : إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب ، وقال عز وجل : إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون ، وقال عز وجل : ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ، وقال عز وجل : وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب ، وقال عز وجل : وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة * وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة .
قال محمد بن الحسين : فأعلمنا مولانا الكريم أنهم أوتوا علماً، فبغى بعضهم على بعض ، وحسد بعضهم بعضاً ، حتى أخرجهم ذلك إلى أن تفرقوا فهلكوا .
فإن قال قائل : فأين المواضع من القرآن التي نهانا الله عز وجل فيها أن نكون مثلهم ، حتى نحذر ما حذرنا مولانا من الفرقة ، بل نلزم الجماعة ؟ .
قيل له : قال الله عز وجل : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون * واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون * ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون * ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم ، وقال عز وجل : وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ، وقال عز وجل : فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون * منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين * من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون ، وقال عز وجل : شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب .
قال محمد بن الحسين : فهل يكون من البيان أشفى من هذا عند من عقل عن الله عز وجل ؟ وقد مر ما حذرناه مولانا الكريم من الفرقة .
ثم اعلموا - رحمنا الله تعالى وإياكم - أن الله عز وجل قد أعلمنا في كتابه : أنه لا بد من أن يكون الاختلاف بين خلقه ، ليضل من يشاء ويهدي من يشاء ، جعل الله عز وجل ذلك موعظة يتذكر بها المؤمنون ، فيحذرون الفرقة ، ويلزمون الجماعة ، ويدعون المراء والخصومات في الدين ، ويتبعون ولا يبتدعون .
فإن قال قائل : أين هذا من كتاب الله عز وجل ؟ .
قيل له : قال الله عز وجل : ولو شاء ربك لجعل الناس أمةً واحدةً ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين * وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين ، ثم إن الله عز وجل أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتبع ما أنزل إليه ، ولا يتبع أهواء من تقدم من الأمم فيما اختلفوا فيه . ففعل صلى الله عليه وسلم ، وحذر أمته الاختلاف والإعجاب بالرأي ، واتباع الهوى . قال الله عز وجل : ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين * وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون * ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون * إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين ، ثم قال الله عز وجل : هذا بصائر للناس وهدىً ورحمة لقوم يوقنون .
حدثنا أبو بكر عمر بن سعيد القراطيسي قال : أنبانا أحمد بن منصور الرمادي قال : حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل : إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً الآية ، وقوله عز وجل : ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا الآية ، وقوله عز وجل : فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة ، وقوله عز وجل : فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً وقوله عز وجل : وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم ، وقوله عز وجل : أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه الاية . قال ابن عباس رضي الله عنهما : أمر الله عز وجل المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والفرفة ، وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله عز وجل .
قال محمد بن الحسين : فهذا ما حضرني ذكره مما أمر الله عز وجل به أمة محمد صلى الله عليه وسلم : أن يلزموا الجماعة ، ويحذروا الفرقة .
فإن قال قائل : اذكر لنا من سنن رسوله صلى الله عليه وسلم أنه حذر أمته ذلك .
قيل له : نعم ، وواجب عليك أن تسمعه ، وتحذر الفرقة ، وتلزم الجماعة وتستعين بالله العظيم جل جلاله على ذلك .